كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



أما القسم الأول: وهو المستعمل فيما كان فرضًا وعبادة فهو غير مطهر باتفاق أصحاب الشافعي.
وأما القسم الثاني: فهو كالماء الذي استعملته الذمية التي تحت الزوج المسلم، أي في غسل حيضها ليحل للزوج غشيانها.
وأما القسم الثالث: فهو كالماء المستعمل في الكرة الثانية والثالثة، والماء المستعمل في تجديد الوضوء، والماء المستعمل في الأغسال المسنونة، فلأصحاب الشافعي في هذين القسمين وجهان: وأما القسم الرابع: فهو كالماء المستعمل في الكرة الرابعة، وفي التبرد والتنظف، فذاك باتفاق أصحاب الشافعي غير مستعمل، وهو طاهر مطهر، أما الماء المستعمل في غسل الثياب، فإذا غسل ثوبًا من نجاسة وطهر بغسلة واحدة، يستحب أن يغسله ثلاثًا فالمنفصل في الكرة الثانية والثالثة مطهر على الأصح القسم الثاني: الماء الذي يتغير فنقول الماء إذا تغير، فإما أن يتغير بنفسه أو بغيره، أما الأول فكالمتغير بطول المكث فيجوز الوضوء به، لأنه عليه السلام كان يتوضأ من بئر قضاعة، وكان ماؤها كأنه نقاعة الحناء، وأما المتغير بسبب غيره فذلك الغير إما أن لا يكون متصلًا به أو يكون متصلًا به.
أما الذي لا يكون متصلًا به فهو كما لو وقع بقرب الماء جيفة فصار الماء منتنًا بسببها فهو أيضًا مطهر، وأما إذا تغير بسبب شيء متصل به فذلك المتصل إما أن يكون طاهرًا أو نجسًا القسم الأول: إذا كان طاهرًا فهو إما أن لا يخالطه أو يخالطه، فإن لم يخالطه فهو كالماء المتغير بسبب وقوع الدهن والطيب والعود والعنبر والكافور الصلب فيه وهذا أيضًا مطهر كما لو كان بقرب الماء جيفة، ولأن الطهورية ثبتت بقوله: {وَأَنزَلْنَا مِنَ السماء مَاء طَهُورًا} والأصل في الثابت بقاؤه، وأما المتغير بسبب شيء يخالطه، فذلك المخالط إما أن لا يمكن صون الماء عنه أو يمكن، أما الذي لا يمكن فكالمتغير بالتراب والحمأة والأوراق التي تقع فيه والطحلب الذي يتولد فيه، وهذا أيضًا مطهر، لأن الطهورية ثبتت بالآية والاحتراز عن ذلك عسير، فيكون مرفوعًا لقوله: {مَّا جَعَلَ عَلَيْكمْ في الدين مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] وكذا لو جرى الماء في طريقه على معدن زرنيخ أو نورة أو كحل أو وقع شيء منها فيه أو نبع من معادنها، أما إذا تغير الماء بسبب مخالطة ما يستغني الماء عن جنسه نظر إن كان التغير قليلًا، بحيث لا يضاف الماء إليه بأن وقع فيه زعفران فاصفر قليلًا، أو دقيق فابيض قليلًا، جاز الوضوء به على الصحيح من المذهب، لأنه لم يسلبه إطلاق اسم الماء، وأما إن كان التغير كثيرًا فإن استحدث اسمًا جديدًا كالمرقة لم يجز الوضوء به بالاتفاق، وإن لم يستحدث اسمًا جديدا فعند الشافعي لا يجوز الوضوء به، وعند أبي حنيفة يجوز.
حجة الشافعي من وجوه: أحدها: أنه عليه السلام توضأ ثم قال: «هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به» فذلك الوضوء إن كان واقعًا بالماء المتغير وجب أن لا يجوز إلا به، وبالاتفاق ليس الأمر كذلك، فثبت أنه كان بماء غير متغير وهو المطلوب وثانيها: أنه إذا اختلط ماء الورد بالماء ثم توضأ الإنسان به، فيحتمل أن بعض الأعضاء قد انغسل بماء الورد دون الماء، وإذا كان كذلك فقد وقع الشك في حصول الوضوء وكان تيقن الحدث قائمًا، والشك لا يعارض اليقين فوجب أن يبقى على الحدث، بخلاف ما إذا كان قليلًا لا يظهر أثره فإنه صار كالمعدوم، أما إذا ظهر أثره علمنا أنه باق فيتوجه ما ذكرناه وثالثها: أن الوضوء تعبد لا يعقل معناه، فإنه لو توضأ بماء الورد لا يصح وضوؤه ولو توضأ بالماء الكدر المتعفن صح وضوؤه.
وما لا يعقل معناه وجب الاقتصار فيه على مورد النص وترك القياس.
حجة أبي حنيفة وجوه: أحدها: قوله تعالى: {وَأَنزَلْنَا مِنَ السماء مَاء طَهُورًا} دلت الآية على كون الماء مطهرًا والأصل في الثابت بقاؤه، فوجب بقاء هذه الصفة بعد التغير بالمخالطة وثانيها: قوله تعالى: {فاغسلوا} [المائدة: 6] أمر بمطلق الغسل وقد أتى به فوجب أن يخرج عن العهدة وقد بينا تقرير هذا الوجه فيما تقدم وثالثها: قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ} [النساء: 43] علق جواز التيمم بعدم وجدان الماء وواجد هذا الماء المتغير واجد للماء لأن الماء المتغير ماء مع صفة التغير، والموصوف موجود حال وجود الصفة، فوجب أن لا يجوز له التيمم ورابعها: قوله عليه السلام في البحر: «هو الطهور ماؤه» ظاهره يقتضي جواز الطهارة به وإن خالطه غيره، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أطلق ذلك وخامسها: أنه عليه السلام أباح الوضوء بسؤر الهرة وسؤر الحائض وإن خالطه شيء من لعابهما وسادسها: لا خلاف في الوضوء بماء المدر والسيول مع تغير لونه بمخالطة الطين وما يكون في الصحارى من الحشيش والنبات، ومن أجل مخالطة ذلك له يرى تارة متغيرًا إلى السواد وأخرى إلى الحمرة والصفرة فصار ذلك أصلًا في جميع ما خالط الماء إذا لم يغلب عليه فيسلبه اسم الماء القسم الثاني: إذا كان المخالط للماء شيئًا نجسًا فمن الناس من زعم أن الماء لا ينجس ما لم يتغير بالنجاسة سواء كان قليلًا أو كثيرًا وهو قول الحسن البصري والنخعي ومالك وداود، وإليه مال الشيخ الغزالي في كتاب الإحياء، وقال أبو بكر الرازي مذهب أصحابنا أن كل ما تيقنا فيه جزأ من النجاسة أو غلب على الظن ذلك لم يجز استعماله ولا يختلف على هذا الحد ماء البحر وماء البئر والغدير والراكد والجاري، لأن ماء البحر لو وقعت فيه نجاسة لم يجز استعمال الماء الذي فيه النجاسة وكذلك الماء الجاري، وأما اعتبار أصحابنا للغدير الذي إذا حرك أحد طرفيه لم يتحرك الطرف الآخر، فإنما هو كلام في جهة تغليب الظن في بلوغ النجاسة الواقعة في أحد طرفيه إلى الطرف الآخر، وليس هو كلامنا في أن بعض المياه الذي فيه النجاسة قد يجوز استعمالها، وبعضها لا يجوز استعماله هذا كله كلام أبي بكر وأقول: من الناس من فرق بين القليل والكثير فعن عبد الله بن عمر: إذا كان الماء أربعين قلة لم ينجسه شيء وعن ابن عباس رضي الله عنهما: الحوض لا يغتسل فيه جنب إلا أن يكون فيه أربعون غربًا وهو قول محمد بن كعب القرظي، وقال مسروق وابن سيرين: إذا كان الماء كثيرًا لا ينجسه شيء، وقال سعيد بن جبير: الماء الراكد لا ينجسه شيء إذا كان قدر ثلاث قلال وقال الشافعي: إذا كان الماء قلتين بقلال هجر لم ينجسه إلا ما غير طعمه أو ريحه أو لونه، وإن كان أقل ينجس لظهور النجاسة فيه.
واعلم أنه يمكن التمسك لنصرة قول مالك بوجوه: أحدها: قوله تعالى: {وَأَنزَلْنَا مِنَ السماء مَاء طَهُورًا} ترك العمل به في الماء الذي تغير لونه أو طعمه أو ريحه لظهور النجاسة فيه فيبقى فيما عداه على الأصل وثانيها: قوله عليه السلام: «خلق الله الماء طهورًا لا ينجسه شيء إلا ما غير طعمه أو لونه أو ريحه» وهو نص في الباب وثالثها: قوله تعالى: {فاغسلوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6] المتوضىء بهذا الماء قد غسل وجهه فيكون آتيًا بما أمر به فيخرج عن العهدة ورابعها: أن من شأن كل مختلطين كان أحدهما غالبًا على الآخر أن يتكيف المغلوب بكيفية الغالب فالقطرة من الخل لو وقعت في الماء الكثير بطلت صفة الخلية عنها واتصفت بصفة الماء، وكون أحدهما غالبًا على الآخر إنما يعرف بغلبة الخواص والآثار المحسوسة وهي الطعم أو اللون أو الريح، فلا جرم مهما ظهر طعم النجاسة أو لونها أو ريحها كانت النجاسة غالبة على الماء وكان الماء مستهلكًا فيها، فلا جرم يغلب حكم النجاسة فإذا لم يظهر شيء من ذلك كان الغالب هو الماء وكانت النجاسة مستهلكة فيه فيغلب حكم الطهارة وخامسها: ما روي عن عمر أنه توضأ من جرة نصرانية، مع أن نجاسة أواني النصارى معلومة بظن قريب من العلم، وذلك يدل على أن عمر لم يعول إلا على عدم التغير وسادسها: أن تقدير الماء بمقدار معلوم ولو كان معتبرًا كالقلتين عند الشافعي وعشر في عشر عند أبي حنيفة رضي الله عنه لكان أولى المواضع بالطهارة مكة والمدينة لأنه لا تكثر المياه هناك لا الجارية وإلا الراكدة الكثيرة ومن أول عصر الرسول صلى الله عليه وسلم إلى آخر عصر الصحابة لم ينقل أنهم خاضوا في تقدير المياه بالمقادير المعينة، ولا أنهم سألوا عن كيفية حفظ المياه عن النجاسات وكانت أواني مياههم يتعاطاها الصبيان والإماء الذين لا يحترزون عن النجاسات وسابعها: إصغاء رسول الله صلى الله عليه وسلم الإناء للهرة وعدم منعهم الهرة من شرب الماء من أوانيهم بعد أن كانوا يرون أنه تأكل الفأرة ولم يكن في بلادهم حياض تلغ السنانير فيها وكانت لا تنزل إلى الآبار وثامنها: أن الشافعي نص على أن غسالة النجاسات طاهرة إذا لم تتغير ونجسة إذا تغيرت، وأي فرق بين أن يلاقي الماء النجاسة بالورود عليها أو بورودها عليه؟ وأي معنى لقول القائل إن قوة الورود تدفع النجاسة مع أن قوة الورود لم تمنع المخالطة وتاسعها: أنهم كانوا يستنجون على أطراف المياه الجارية القليلة، ولا خلاف أن مذهب الشافعي إذا وقع بول في ماء جار ولم يتغير أنه يجوز الوضوء به وإن كان قليلًا، وأي فرق بين الجاري والراكد؟ وليت شعري الحوالة على عدم التغير أولى أو على قوة الماء بسبب الجريان؟ وعاشرها: إذا وقع بول في قلتين ثم فرقتا فكل كوز يؤخذ منه فهو ظاهر على قول الشافعي ومعلوم أن البول منتشر فيه وهو قليل، فأن فرق بينه إذا وقع ذلك القليل في ذلك القدر من الماء ابتداء، وبينه إذا وصل إليه عند اتصال غيره به؟ وحادي عشرها: أن الحمامات لم تزل في الأعصار الخالية يتوضأ فيها المتقشفون ويغمسون الأيدي والأواني في ذلك القليل من الماء من تلك الحياض مع علمهم بأن الأيدي الطاهرة والنجسة كانت تتوارد عليها ولو كان التقدير بالقلتين معتبرًا لاشتهر ذلك ولبلغ ذلك إلى حد التواتر، لأن الأمر الذي تشتد حاجة الجمهور إليه يجب بلوغ نقله إلى حد التواتر لما لم يكن كذلك علمنا أنه غير معتبر وثاني عشرها: أنا لو حكمنا بنجاسة الماء فلا يمكننا أن نحكم بنجاسة الماء إن كان في غاية الكثرة مثل ماء الأودية العظيمة والغدران الكبار، فإن ذلك بالإجماع باطل، فلابد من التقدير بمقدار معين، وقد نقلنا عن الناس تقديرات مختلفة فليس بعضها أولى من بعض فوجب التعارض والتساقط، أما تقدير أبي حنيفة بعشر في عشر فمعلوم أنه مجرد تحكم، وأما تقدير الشافعي بالقلتين بناء على قوله عليه السلام: «إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل خبثًا» فضعيف أيضًا لأن الشافعي لما روى هذا الخبر، قال أخبرني رجل فيكون الراوي مجهولًا، ويكون الحديث مرسلًا وهو عنده ليس بحجة، وأيضًا زعم كثير من المحدثين أنه موقوف على ابن عمر رضي الله عنه، سلمنا صحة الرواية لكنه إحالة مجهول على مجهول لأن القلة غير معلومة فإنها تصلح للكوز والجرة ولكل ما نقل باليد، وهو أيضًا اسم لهامة الرجل ولقلة الجبل، سلمنا كون القلة معلومة لكن في متن الخبر اضطراب فإنه روي «إذا بلغ الماء قلتين»، وروي «إذا بلغ قلة»، وروي «أربعين قلة»، وروي «إذا بلغ قلتين أو ثلاثًا»، وروي «إذا بلغ كوزين» سلمنا صحة المتن ولكنه متروك الظاهر لأن قوله: «لم يحمل خبثًا» لا يمكن إجراؤه على ظاهره، فإن الخبث إذا ورد عليه فقد حمله، سلمنا إمكان إجرائه على ظاهره لكن الخبث على قسمين خبث شرعي وخبث حقيقي، والاسم إذا دار بين المسمى اللغوي والمسمى الشرعي، كان حمله على المسمى اللغوي أولى، لأن الاسم حقيقة في المسمى اللغوي مجاز في المسمى الشرعي، دفعًا للاشتراك والنقل، وإذا كان كذلك وجب حمله عليه، والمسمى اللغوي للخبث المستقذر بالطبع قال عليه السلام: «ما استخبثته العرب فهو حرام» إذا ثبت هذا فنقول: معنى قوله: «لم يحمل خبثًا» أي لا يصير مستقذرًا طبعًا، ونحن نقول بموجبه لكن لم قلت إنه لا ينجس شرعًا، سلمنا أن المراد من الخبث النجاسة الشرعية لكن قوله «لم يحمل خبثًا» أي يضعف عن حمله ومعنى الضعف تأثره به، فيكون هذا دليلًا على صيرورته نجسًا لا على بقائه طاهرًا.
لا يقال: الجواب عن هذه الأسئلة أن يقال إن الشافعي وإن لم يذكر اسم الراوي في بعض المواضع فقد ذكره في سائر المواضع فخرج عن كونه مرسلًا، ولأن سائر المحدثين قد عينوا اسم الراوي.
قوله إنه موقوف على ابن عمر، قلنا لا نسلم فإن يحيى بن معين قال إنه جيد الإسناد فقيل له إن ابن علية وقفه على ابن عمر، فقال إن كان ابن علية وقفه فحماد بن سلمة رفعه وقوله القلة مجهولة قلنا لا نسلم لأن ابن جريج قال في روايته بقلال هجر.
ثم قال: وقد شاهدت قلال هجر فكانت القلة تسع قربتين أو قربتين وشيئًا.